العمر والانجذاب.. هل يفضل الرجال النساء الأصغر؟
تفضيل الرجال للنساء الأصغر ليس ظاهرة عربية بل نمط عالمي يمتد عبر الثقافات. في هذا المقال، نكشف ما وراء هذه الظاهرة من علم النفس والفلسفة، ونُضيء على معاناة النساء الناضجات في مجتمعات لا تزال تُربط فيها الأنوثة بالعمر، لا بالوعي. كيف يمكن للمرأة فوق الثلاثين أن تتحول من خيار مؤجل إلى الخيار الأكثر أصالة؟

رحلة في عمق الظاهرة بين الموروثات والتوجهات العالمية
في كل مناسبة يُطرح فيها الحديث عن الفروقات العمرية بين الزوجين، تتأهب الأحكام، وتتزاحم العبارات الجاهزة: "الرجل يفضل الأصغر!"، "المجتمع الشرقي ذكوري!"، "الغرب أكثر انفتاحًا!"، وكأن هذه القضية حُسمت وجدانيًا، بينما لم تُفكك معرفيًا بعد. لكن، ماذا لو قلنا إن تفضيل الرجال للنساء الأصغر منهم عمرًا ليس حكرًا على المجتمع العربي، بل ظاهرة عالمية، موثقة، متكررة، ولها امتداد عبر الثقافات والخرائط؟
في تقرير نُشر بتاريخ 9 مارس 2025 في صحيفة The Independent، بناءً على بيانات تطبيق المواعدة العالمي "Flirtini"، وُجد أن:
-
فقط 9% من رجال جيل Y (Millennials) أبدوا استعدادًا لمواعدة نساء يكبرنهم بأربع سنوات أو أكثر.
-
بينما تراجع هذا الرقم بشكل ملحوظ لدى رجال جيل X (45–60 عامًا)، ليصبح 1% فقط منهم منفتحًا على هذا الفارق العكسي في العمر.
هذه الأرقام ليست عن رجال عرب، ولا عن مجتمعات تقليدية فقط. بل عن رجال من بيئات غربية، متحررة، وتطبيقات يفترض فيها أن تكون حرية الاختيار متاحة بالكامل. ومع ذلك، يميل أغلب الرجال، حتى الأصغر سنًا، إلى تفضيل الارتباط بمن تصغرهم في العمر.
فهل هذا يعني أن التفضيل مرتبط بطبيعة ذكورية بشرية تتجاوز الحدود الثقافية؟ أم أنها انعكاس لصورة نمطية ما زالت تهيمن على العلاقات رغم كل التحولات؟
من الناحية البيولوجية والنفسية، تشير بعض النظريات إلى أن التفضيل هذا قد يعود لعوامل تطورية؛ حيث ارتبطت الخصوبة، تاريخيًا، بالعمر الأصغر للمرأة، مما جعل "الارتباط بالأصغر" نمطًا تطوريًا لا واعيًا في خيارات الرجال. إلا أن هذا التفسير وحده لا يكفي في ظل تطور الوعي، وتغير أدوار المرأة، وتحولات مفهوم "الشراكة" من بيولوجيا إلى عقل وقيم.
اللافت أن تفضيل النساء للارتباط برجال أكبر منهن لا يزال هو الآخر موجودًا في المجتمعات المختلفة، ويبدو أنه يتناغم مع هذا الميل الذكوري العالمي. فكأننا أمام نمط تقليدي راسخ – عمر الرجل أكبر، عمر المرأة أصغر – يستمر بالتكرار، ليس بسبب الجبر، بل بفعل الانجذاب.
لكن أين يقف الوعي من كل هذا؟
هل نحن أسرى نمط بيولوجي قديم، أم أن اختياراتنا ما تزال تُشكلها رموز ثقافية لم نتجاوزها بعد؟
هل الفارق العمري معيار لجودة العلاقة، أم أنه مجرد عنصر ثانوي، يُضخّمه الناس حين يعجزون عن فهم الانسجام الحقيقي بين طرفين؟
لماذا تتذمّر النساء فوق الثلاثين من عزوف الرجال عنهن؟
تحليل سيكولوجي وفلسفي يتجاوز السطح الاجتماعي
في صمت الغرف المغلقة، وخلف ابتسامات القوة والاستقلال، تسكن في كثير من النساء فوق الثلاثين مشاعر معقدة، لا تُقال صراحة، لكنها تظهر في زفرات خفية، أو عبارات مقتضبة مثل: "لماذا لا يفضّل الرجال من هم في أعمارنا؟"
السؤال الذي يبدو بسيطًا يخفي وراءه خريطة سيكولوجية وفلسفية شديدة التعقيد، لأنه لا يتحدث فقط عن "الزواج"، بل عن التقدير، الرغبة، والاعتراف.
حين تتذمّر امرأة ناضجة من تفضيل الرجال لنساء أصغر، فهي لا تشتكي من الواقع كما هو، بل من شعورها بأن قيمتها كامرأة تُقاس بعمرها، وكأن شخصيتها، تجاربها، نضجها، وإنجازاتها، لا تملك ما يكفي لجعلها مرغوبة. إنها مواجهة مريرة مع فكرة أن الرجل – حتى الناضج، المثقف، المتعلم – لا يزال يخضع لنزعة خفية تشده نحو "الأصغر"، لا "الأعمق".
ومن جانب آخر، فإن النساء في هذه المرحلة عادة ما يصلن إلى ذروة النضج العاطفي والفكري، ويبدأن في رؤية العلاقات من منظار مختلف: لم يعد يكفي أن يكون الرجل لطيفًا أو وسيمًا، بل يجب أن يكون قادرًا على التحاور، الاحترام، الالتزام، ومشاركة الحياة بوعي.
لكن ما يحدث، هو أن غالبية الرجال في نفس العمر – أو الأصغر سنًا – قد لا يكونون في نفس المرحلة من النضج.
وهنا يتكوّن التناقض القاسي:
-
المرأة ترى نفسها في قمة الوعي، لكنها لا تجد من يلتقي معها على نفس المستوى إلا فيمن يكبرها بكثير – وغالبًا لا يبحث هؤلاء عن مثيل، بل عن "شابة صغيرة تبهجهم لا تناقشهم".
-
والرجل الأصغر منها، يرى فيها امرأة قوية لكنها "أكبر"، فيذهب بخياله لمن تصغره، لأنها تبدو له أسهل، أكثر خفة، وربما أقل "تطلبًا" فكريًا أو عاطفيًا.
الفلسفة النفسية هنا تكشف لنا أمرًا مهمًا: أن كثيرًا من الذكور – حتى في المجتمعات المتقدمة – لم ينفصلوا بعد عن التصورات البدائية للعلاقة، حيث لا تزال "الأنوثة" مرتبطة بالشباب البيولوجي لا بالوعي. ولهذا، فإن المرأة التي تجاوزت الثلاثين تبدأ في الشعور بـ"الخيانة المجتمعية" رغم كل ما بنته من استقلال ونجاح.
وما يزيد من الألم أنها، حين كانت أصغر سنًا، لم تكن مهيأة للنضج العاطفي الكافي للاختيار. وحين نضجت، تغيّرت قواعد اللعبة: أصبحت تبحث بعين جديدة، بينما الطرف الآخر ما يزال متمسكًا بالصورة القديمة.
ومن زاوية أعمق، فإن النظام الاجتماعي بأكمله لا يُعد الرجل ليُحب المرأة الناضجة، بل يُغذّيه بفكرة أن الأنوثة الحقيقية مرتبطة بالخضوع، بالنعومة، بالاحتياج، بينما المرأة الثلاثينية المستقلة تُخيفه؛ لا لأنها مخيفة فعلاً، بل لأنه لم يُربّ على استقبال هذا النوع من النساء.
المرأة فوق الثلاثين لا تتذمر فقط من "قلة الخطّاب"، بل من أن خياراتها الأجدر أصبحت أقل عددًا، وأكثر ترددًا، لأنها لم تعد تستهوي سوى رجل يعرف نفسه جيدًا… وهؤلاء نادرون.